22.9.13

بالصور: "مسابك التراب".. استخراج الفضة والذهب من "الهالك"

في خان «أبو طاقية» المتفرع من حارة اليهود، تعلم محمد جابر، أحد اليهود المصريين، صنعة «سبك التراب»، وعندما جاء ميعاد الخروج أكمل «جابر» وأقرانه الطريق وظلت المسابك مفتوحة وتعمل بشكل جيد وأورثوا المهنة لأبنائهم الذين أكملوا الطريق، إلا أن الأحوال ساءت، وترك الكثيرون المهنة وغادروا «الصاغة» وبقى القليلون يحلمون بالمغادرة مثل من سبقهم.
وتعتمد صنعة «مسابك التراب» على «رايش» ورش المشغولات الذهبية والفضية، فأثناء العمل على تشكيل المشغولات تتطاير ذرات دقيقة من المعادن النفيسة تصعب رؤيتها بالعين المجردة، يطلق عليها «الرايش»، وتختلط بالأتربة الموجودة في ورش العمل.
العمال في مسبك حمدي جابر

يقوم أصحاب ورش المشغولات بجمع التراب من ورشهم في «براميل» صغيرة وبيعها إلى أصحاب مسابك التراب، وهناك يتم تجميع هذا التراب وتحميصه فوق نيران شديدة، ثم يوضع في «بوتقة» غير قابلة للانصهار، مع رمال ومواد أخرى مثل البيكربونات وأكسيد الرصاص الخام كمواد مساعدة على صهر المعادن، وبفعل الحرارة العالية وانصهار المعادن يقلب المزيج للتأكد من أن المزيج «استوى» في البوتقة، وتحولت كل المعادن الموجودة بها للحالة السائلة. وتصب المعادن بعد الوصول للحالة السائلة في قالب من مادة «الزهر»، المعروفة بتحملها للحرارة، ونظرًا لأن «المعدن الغالي بيبقى تقيل» فما يصل القالب في البداية هو «الخبث»، المكون من الأكاسيد والسيليكون، وبعدها ينزل «المعدن الغالي».
بعد أن يبرد السائل المصبوب تظهر السبيكة الأولى التي يكون بها خط فاصل، واضح للعين، نظرًا لاختلاف كثافة «الخبث» عن «المعدن الغالي»، وتكون «دقة واحدة» بأداة ثقيلة كافية لفصل السبيكة إلى سبيكتين. وترمى سبيكة «الخبث»، وتأخذ سبيكة المعادن النفسية ويصنع بها ثقب صغير، يطلق عليه «شنيشة»، يعرف منه نسبة الذهب والفضة في السبيكة.
يمكن أن تباع السبيكة الأولية التي يمتزج بها الذهب والفضة كما هي، أو تتعرض لعملية أخرى تسمى «التبويط» أو «التطهير»، وفيها تسلط نار شديدة وهواء على السبيكة، وتؤدي شدة النار المسلطة على السبيكة إلى تحول كل ما هو غير فضة وذهب إلى سائل ثم بخار، وهنا تأتي المرحلة الأخيرة التي تسمى «الحل»، وفيها يعرض الذهب والفضة على جهاز يسمى «الكذاب»، ويستخدم فيه حمض النتريك القوى، فتتحول الفضة إلى سائل يشبه الماء، يطلق عليها «فضة حل»، والذهب إلى سائل أكثر كثافة يطلق عليه «ذهب حل»، ويضاف إلى كل منهما مواد «تخشنها» ثم تبرد في سبائك. وتذهب السبائك النهائية إلى معمل تحليل يحدد نسبة الذهب أو الفضة في السبيكة من أجل دمغها وترقيمها، «ويصبح المنتج النهائي ذهب حل أو فضة حل 997 أو 998»، كما تحدد سعر السبيكة من خلال حساب حاصل ضرب الوزن في العيار.
يتعرض أصحاب «مسابك التراب» للكثير من المصاعب لا تنحصر في ظروف العمل المدمرة للصحة، التي تخلو من أي وسيلة للأمن الصناعي، فاستيراد المشغولات الذهبية وانتقال ورش المشغولات للعمل الآلي قلل من كمية «التراب» التي يشترونها وبالتالي قلل من أعمالهم.  كما أن الانهيار الأمني الذي صاحبته أعمال سرقة لمحال «الصاغة» وورش المشغولات قلل من ثقة أصحاب رؤوس الأموال في السوق فقل العمل وقل «الهالك». ويقول حمدي جابر: «يعني مثلا كان الأول يبقى في خواجة ولا حاج عنده شغل يديه لـ20 أو 30 ورشة ويديهم مصنعيتهم، دلوقتي كله خايف يديك شغل لأنك مش حمل حاجة، يعني وأنت قاعد في ورشة تطلع ناس تثبتك وتسرق الحاجة، هتديله منين؟. 
يفكر «حمدي» الآن في بيع إرث والده والخروج من المهنة والبحث عن «لقمة عيش في حاجة تانية.. أنا هقعد هنا أعمل إيه؟ أحرس حيطان؟ لو في خير والله العظيم ما همشي. هشقى للممات بس ألاقي مقابل. ألاقي حد يقول إحنا بنعمل إيه، التصنيع هنا ميت. موتونا».


نشر الموضوع في الموقع الإليكتروني لجريدة المصري اليوم