1.7.13

"جوته" يناقش تسليع الثورة والمقاومة

مع إندلاع ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ في مصر، التي أجبرت الرئيس محمد حسنى مبارك علي التنحى، انطلقت شرارة العمل الثقافي والفني إلي جانب التظاهرات والأحداث السياسية، فنشط البعض في أعمال فنية وثقافية تفاعلت بشكل مباشر وسريع مع الأحداث السياسية مثل الجرافيتي والغناء في الشوارع، فيما فضل فنانون آخرون أن يمارسوا فنهم بشكل أبطأ وتيرة مبتعدين عن الشكل المباشر للثورة. وصاحب هذا النشاط الفني المكثف زيادة في التمويل من الجهات المانحة للفنانين كأفراد أو مؤسسات. وبرزت على الساحة الفنية العديد من الأسئلة مثل: دور الفنان، والمثقف ودور الفن والثقافة في المجتمعات في أوقات التحول، وهل كل فنان هو بالضرورة ناشط سياسي أم لا؟

هذه الأسئلة طورتها إيلكا آيكهوف، باحثة ومحللة لتطور الفن المعاصر والسياسة والثقافة في الشرق الأوسط، في مفهوم يدور حول مجموعة من الأسئلة مثل: ما هو دور الفن والثقافة وتمويلهما في التحول الاجتماعي؟ ما هي القواعد التي يتعين على المبدعين الثقافيين تقبلها، وكيف يمكنهم التعامل معها؟ كيف يمكن تقييم النمو المفاجئ للفن والثقافة في القاهرة على مدى العامين الماضيين، كالضجة العالمية التي أثيرت حول الجرافيتي وفن الشوارع في مصر؟. وفي محاولة للإجابة على تلك الأسئلة يعقد "معهد جوته" سلسلة من الحلقات النقاشية تحمل عنوان "ما بين الجماليات والإستراتيجيات: السياسات الثقافية في أوقات التحول"، وأقيمت أولى هذه الجلسات بعنوان "حول تسليع الثورة والمقاومة" يوم الأربعاء ٢٩ مايو ٢٠١٣. وشارك في جلسة النقاش الأولى كلا من منى أباظة، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة، باسم يسري، فنان فيديو ومخرج سينمائي مستقل، زينب مجدي، كاتبة وممثلة، وأدار الجلسة محمد الشاهد، طالب دكتوراه بجامعة نيويورك تتمحور دراسته حول الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري في مصر منذ القرن الـ ١٨.


افتتح محمد الشاهد الجلسة بالحديث عن التوقعات التي يجدها في حديث غير المصريين إليه عندما يكون في الخارج، مشيرا إلي أنه عندما يكون خارج مصر يجد أن الكثيرون يتوقعون منه أن يكون حديثه أو أعماله تدور حول المساحات العامة والفن والسياسة والثقافة في مصر. يقول محمد الشاهد: احتجت ان أشرح الكثير من البديهيات، احتجت أن أقول لهم، علي سبيل المثال، أن مصر بها ميادين عامة وشوارع وأن المواطنين خرجوا إلي هذه الشوارع والميادين للتعبير عن أنفسهم. وعلي الرغم من أن هذه بديهيات إلا أن الناس في زيورخ لم يكونوا يعلمونها.

التوقعات والصورة النمطية

توقعات الجهات المانحة من الفنانين الذين تقوم بتمويلهم ومشاريعهم أخذت حيزا كبيرا من حديث زينب مجدي. تقول زينب مجدي أن مرور المصريين بحالة الثورة جعلتهم يشعرون بالحاجة إلي التعبير بشكل كبير، وأن الفنون والثقافة في مصر شهدت حراكا كبيرا بعد الثورة، وكذلك كبر حجم تمويل الفن والثقافة نظرا لاهتمام الممولين بالمنطقة في الوقت الحالي، إلا أن هذا التمويل مرتبط بتوقعات تتلخص في أن المشروعات الممولة سوف تكون أعمالا فنية ثورية. وتتسائل زينب مجدي: "ما هو العمل الفني الثوري، هل هو عمل فني يدور حول الثورة؟، أم عمل يشكل نوعا من الثورة في الفن، في الشكل أو المحتوى؟".

وقالت زينب مجدي أن إحدى المؤسسات المانحة وافقت علي تمويل إقامة فنية لها في لندن لقضاء شهر تعمل فيه علي كتابة مسرحية، وأثناء عملها فوجئت بأن الشخص المسئول عن متابعة العمل معها يطلب منها أن تضيف مشاهدا للمسرحية يتحرك فيها البطلين في أجواء المظاهرات. وأضافت "كان واضحا أنهم يريدون مسرحية عن الثورة. إن العالم الخارجي يهتم عندما يكون الأمر عن الثورة والجمهور هناك يريد أن يرى مسرحية من مصر الثورة يقوم فيها الممثلين بالهروب من الشرطة. يريدون صورة مماثلة للصورة الموجودة في تليفزيوناتهم". وترى "زينب مجدي" أن هذه التوقعات من قبل الجهات المانحة واستجابة الفنانين لها تؤدي في النهاية إلي صناعة صورة ذهنية نمطية عند جمهور الفن تناسب تلك التوقعات.

التمويل بين الفن والسياسة

قالت د. منى أباظة في حديثها أن هناك أشكالا مختلفة من التمويل تصل إلي مصر، مثل تمويل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وأن تمويل الفن والثقافة، على الرغم من زيادته بعد الثورة، لا يزال صغيرا. واصفة هذا التمويل بأنه "تمويل من أجلنا لكي نلعب قليلا". وأضافت أنه منذ اندلاع الثورة والعديد من الأكاديمين يأتون إلي مصر وإلي الجامعة الأمريكية بالقاهرة يسألون المدرسين فيها مساعدتهم في مشروعات حصلوا علي تمويل لها بشكل أصبحنا معه "جمهورا لأجندة عالمية" أصبحنا نشعر معها بأن هذه المشاريع تشكل "استشراقا" جديدا وأدت إلي ظهور "سبوبة" من الصناعة الثقافية المبنية علي الثورة.

قبل نهاية الجلسة مباشرة أثار محمد الشاهد تساؤلا حول كيفية إيجاد تمويل للبنية الثقافية في مصر. فغالبية الجهات المانحة تشترط علي الفنان ألا يستخدم الأموال التي حصل عليها منهم في شراء معدات أو أصول، وبالتالي فإن الفنان بعد إنتهاء مشروعه يعود إلي نقطة الصفر للبحث عن تمويل لمشروعه التالي. وفي مواجهة هذا التساؤل قال باسم يسري أن اعتماد الفنان علي موارده المتاحة في أعماله قد يكون حلا لأنه في هذه الحالة يتوقف عن الدوران في حلقة التمويل والبحث عنه.

الموضوع نشر علي موقع معهد جوته في يونيو  2013 باللغتين العربية والألمانية.
الصورة لـديفيد سيبرت من علي موقع معهد جوته.