7.3.13

كسر التابوه.. «الرئيس الأب».. وداعا «ناصر» و«السادات».. وأهلاً بـ«الموظف»

فى عام ٢٠٠١ كانت غرفة عمال الكهرباء بأحد قطاعات شركة «مصر حلوان للغزل والنسيج» تقع فى أحد الأطراف البعيدة للمصنع، وكانت تحتوى على ٣ مكاتب ودولابين من المعدن، وسخان كهربائى صغير لعمل الشاى وصورتين معلقتين، واحدة للرئيس الراحل «عبدالناصر» فوق المكتب الذى يتصدر الغرفة، والثانية للرئيس الراحل «السادات» على باب أحد الدولابين.

لم تكن صورتا الرئيسين الراحلين معلقتين فى مكاتب كبار المسؤولين فى الشركة، ولا فى باقى الشركات فى التوقيت نفسه، حيث كانت تعلق صور «مبارك» فقط، بل كانتا معلقتين فى مكاتب صغار العمال والموظفين، وفى غرف الاستقبال البسيطة فى بيوت المصريين، فـ«عبدالناصر» و«السادات»، كانا أكثر من رئيسين فى وجدان الشعب المصرى، كانا والدين اتخذهما «أبناؤهما» من الشعب «مثلا أعلى». وضع المصريون على جدران بيوتهم صور رئيسيهما الأسرية، إلى جانب صور الزفاف وصور الأطفال، ارتدى عبدالناصر «البدلة النص كم» فأصبحت زيا رسميا للمصريين، وارتدى السادات «العباية» فى «ميت أبوالكوم» فارتداها المصريون. وبعدهما بسنوات، ظهرت عبارة «بابا مبارك وماما سوزان» وتغيرت أشكال الأشخاص فى صورهم فظهروا عاقدين أكفهم تحت الخصر، مثلما كان يفعل «مبارك».



ظل المصريون يتعاملون مع رؤسائهم باعتبارهم آباء الشعب، يعرفون الطريق ويقودون سفينة الأسرة الكبيرة إلى بر الأمان، حتى جاءت ثورة ٢٥ يناير وحاكمت «بابا مبارك» ووضعته فى السجن، ووضعت صورة أخرى للرئيس الجديد نابعة من برنامج انتخابى وصناديق انتخاب ومسيرات تأييد ومقيدة بفترتين رئاسيتين فقط. صورة تجسدت فى مناظرة بين مرشحين للرئاسة هى الأولى من نوعها فى الوطن العربى، وتبارى فيها المرشحان من أجل الاستحواذ على رضا الناخبين، وليس الأبناء، الجالسين فى بيوتهم يتابعون المباراة ويقررون، دون غيرهم، من هو الفائز، لتغادر صورة الأب القصر الرئاسى وتدخل صورة الرئيس الموظف مكانها، ووصلت إلى فتح باب الثورة ضده أثناء رئاسته، ورسمت إهانته ومطالبته بالرحيل على جدران مكتبه فى قصر الاتحادية.

«طارق أحمد»، «بائع متجول» من حدائق القبة، يبلغ من العمر (٥٣ عاما)، يرى أن الرئيس الجديد لن يكون أبا سوى «لعياله» وأن الناس نظرتها للحاكم تغيرت من بعد الثورة، خاصة مع محاكمة مبارك العلنية. ويرى أن تعامل المصريين مع عبدالناصر كأب كان أمرا طبيعيا «إحنا شعب عاطفى وعبد الناصر كان بيتعامل مع الناس بمشاعره». كان المصريون ينظرون لـ«عبدالناصر» نظرة «تقدير وتوقير تناسب حجمه وأسلوب معاملته»، بينما كان السادات «شكله طالع من الأرياف ومتواضع ومعندوش التكبر بتاع الرياسة، فالناس حبته وقلدته».

حب المصريين لعبدالناصر لم يتوقف عند صوره وتماثيله النصفية الموجودة فى منازلهم، وإنما امتد ليشمل إطلاق اسمه، واسم ابنه الأكبر «خالد»، على أبنائهم فيما يتماشى مع العادة المصرية التى يسمى فيها الأب ابنه على اسم «جده»، فظهرت أجيال كاملة تحمل اسماء «جمال» و«عبدالناصر» و«خالد» عاشت وتشربت بأغانى الثورة التى كان اسم «جمال» ركنا أساسيا فيها.

يفسر «عبدالفتاح محمود أحمد»، من أسوان ويبلغ من العمر (٥٨ عاما) ويعمل «بواب» فى القاهرة، ذلك بأن عبدالناصر كان أبا بجد «الراجل كان مننا وكان شايل همنا لحد ما مات، حتى مراته مكانش ليها دعوة بالبلد».

هذا التقارب بين عبدالناصر والمصريين الذين رأوه أباً لهم يحاول «حسين محمد إبراهيم»، من المريوطية ويبلغ من العمر (٣٠ عاما) ويعمل «حلاق رجالى»، شرحه «لما كان أبويا والناس اللى فى سنه شباب صغيرين، عبدالناصر فتح المدارس الصناعية وأداهم الشهادات واشتغلوا فى المصانع اللى بناها، فبالنسبه لهم عامل زى الأب اللى بيعلم ولاده ويشغلهم، ولما جه السادات عمل شوية حاجات زى دى واتصور بالعباية وفى الغيط ومع الناس، فالناس شافوه كأنه أب وخصوصا أنه لما كان ريس فى ناس كتير عملت فلوس».

كانت جنازة عبدالناصر حدثا استثنائيا خرج فيه ملايين المصريين يبكون ويصرخون وينتحرون حزنا على «أب» فارقهم. شقت النساء الجيوب خلافا للعرف القائل إن «شق الجلابية كفر».

يرى «آسر مصطفى أحمد»، طالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس، أن كثيرا من كبار السن تعاملوا مع الرئيس على أنه أب «جدودى كانوا بيقدسوا عبدالناصر أكتر من أهاليهم، وجيل أبويا وأمى مواليد الخمسينيات مكنش عندهم الحتة دى قوى وخصوصا إنهم عاشوا فى عهد السادات اللى كان على حد تعبيرهم فقر». آسر يرى أن فكرة الرئيس الأب «وهمية، والغرض منها تغييب العقل، وتحديد مدة الرئاسة بفترتين، بس هيقلل من فكرة الرئيس الأب دى لأنه مش هياخد وقت كبير يلحق يطلعه فى شكل الأب».