21.3.13

"الكانافاه والتريكو".. وداعاً فن "روميو وجولييت" و"بلوفرات" الأمهات

عاد الوالد من السعودية فى أوائل تسعينيات القرن الماضى، كان من بين الأشياء التى جرى التخلص منها من المنزل إلى جوار التليفزيون و«كرتونة» ممتلئة بشرائط كاسيت لأم كلثوم وعبدالحليم ومحمد عبدالوهاب، قطع أثاث الصالون، التى كانت منجدة بالقطيفة المزينة بنقوش بارزة تجسد روميو وجولييت وبعض الزهور، ولوحتى «الكانافاه» كانت إحداهما مطرزة برسومات فاكهة، فيما كانت الأخرى مطرزة بصورة تجسد راقصة مرتدية بدلة الرقص وتمسك طبلة، لتنتقل حالة التخلص من هذه الفنون إلى البيوت المصرية.

«محمد رفعت»، ٢٨ عاما، شهد نفس التغير فى منزل أسرته وباقى منازل العائلة والأقارب فى نفس الفترة الزمنية تقريبا. يقول «محمد» إن والدته كانت تقوم بعمل لوح «الكانافاه» فيما كانت خالته، التى درست فى كلية الفنون الجميلة ترسم لوحات على مواد مختلفة فكانت ترسم على ألواح «القيشانى» بجعا وحيوانات، وترسم على القماش باستخدام الألوان الزيتية العديد من الموضوعات، التى تجسد بشرا، مثل فتاة عارية تقريباً أو أخرى تعزف البيانو، ومن بين لوحات الكانافاه التى صنعتها والدته واحدة تجسد فتاة عارية، إلا أن هذه اللوحة اختفت من على الحائط «بعد أن بدأت خالتى تدخل فى موضوع التدين، وقالت لأمى إن اللوحة دى حرام ومينفعش تبقى قدام العيال».


عن اللوحات غير العارية، التى لا تشوبها شبهة الحرام، مثل تلك التى تجسد فاكهة أو أشياء مشابهة، يقول محمد إنها اختفت من المنزل بمرور الوقت، منذ بدأت الأسرة فى تلقى هدايا عبارة عن «براويز عليها آيات قرآنية أو أسماء الله الحسنى» فى الوقت الذى كانت فيه «البراويز القديمة اتبهدلت»، وبمرور الوقت اختفت كل الأشياء القديمة التى صنعتها أمه، وحلت محلها اللوحات الدينية، وعلى الرغم من اختفاء هذه الأشياء من حياة «محمد» إلا أن بعضها لا يزال موجودا فى شقة أخرى تمتلكها الأسرة، ولكن لا تستخدمها كثيرا، فعلى حوائط هذه الشقة لا تزال هناك لوحة للموناليزا، ولوحة الكانافاه بانورامية تصور بعض المشاهد فى لندن، إلى جانب تمثال نصفى لامرأة عارية الصدر موجودة بالشقة باعتباره «كراكيب» يرفض محمد التخلص منها، فيما ترفض الأسرة عرضها «علشان حرام».

 «الحرمانية» لم تكن السبب الوحيد لاختفاء لوحات الكانافاه. تقول أمى، التى قاربت على إنهاء عقدها الخامس، إنها عندما كانت فى المرحلة الإعدادية كانت الفتيات يتلقين فى المدرسة مادة «التدبير المنزلى»، وكن يتعلمن فى هذه الفترة تطريز الكانافاه بـ«غرزها المختلفة»، وتفصيل الملابس وتطريزها وحياكة الملابس الصوفية، وعمل البلوفرات التريكو لدرجة أن بعض الفتيات كان بإمكانهن تفصيل ملابسهن بالكامل مع انتهاء المرحلة الإعدادية، وترى أن «التليفزيون» أحد أسباب اختفاء أعمال «الكانافاه» من على حوائط البيوت، تقول: «زمان كنا بعد ما نخلص شغل البيت مع أمنا، مكناش بنلاقى حاجة نعملها، فكنا بنقعد نتسلى فى شغل الكانافاه، وكانت كل واحدة بتشيل اللى بتعمله لجهاز جوازها».

يرى «خالد عبدالعزيز»، ٤٨ عاما، أن اختفاء لوحات الكانافاه من البيوت له علاقة بتغير المجتمع فى الأعوام القليلة الماضية، لأن أوقات فراغ الفتيات اللاتى كن يعملن فيها على تطريز تلك اللوحات قد تقلصت نتيجة ذهابهن إلى الجامعة، والحرية التى أصبحن يتمتعن بها، وزيادة الأوقات التى أصبح بإمكانهن قضاءها خارج المنزل «فى الكافيهات»، إلى جانب زيادة معدلات عمل الإناث بعد التخرج، وهو ما قلص أيضا من وقت فراغهن نتيجة الانشغال فى العمل صباحا، وكانت المجلات تنشر ملحقا خاصا لأعمال التطريز والتفصيل والتريكو «باترونات»، وكانت الأمهات حريصات على شرائه من بائعى الصحف.

لاحظ «خالد» أن لوحات الكانافاه عادت للظهور مرة أخرى فى الفترة الأخيرة، إلا أنها تباع كسلعة فى المتاجر بأسعار مرتفعة، لأنها مشغولات يدوية تستهلك الكثير من الوقت والمجهود، ولكن هذه العودة جاءت بأشكال مختلفة للوحات، فبعد لوحات الموناليزا والراقصة والطبلة ومجموعات وأطباق الفاكهة، أصبحت موضوعات اللوحات الآن مستوحاة من المناظر الطبيعية الأوروبية فى الغالب.


الصورة من منتدى فتكات
الموضوع نشر في جريدة المصري اليوم